لم تكن تكترث فى البداية, فهو لن يكون مختلف عن غيره من الشباب, يريد ان يتعرف على فتاة جديدة ليكسر الرويتن, فقد مل من كل من يعرفهن, يريد ان يسلى وقته لفترة, ثم بعد انقضائها يرحل, يرحل كالغريب.
كلما انتابها شعور ما تجاهه, كانت تحاول ان تنكره, وكأنها تهمة, كانت دائما تذكر نفسها انه راحل, ولو بعد حين..ولكنها مع ذلك لم تستطيع منع نفسها من تبادل اطراف الحديث معه ليلا ونهارا..اعترفت ان الحديث معه له طعم مختلف, فى رقى و نبل, معانى لم تجدها مع اى احد آخر, معانى لم يعد لها وجود الآن, بعد فترة اصبح اجمل وقت فى يومها هو الوقت الذى تحدثه فيه, ولطالما تمنت ان تخترق الشاشة لتجلس بجانبه على الآريكة, لختبئ فى حضنه من كل ما يخيفها من العالم, و منه هو حتى, لتختبئ فيه من حبها له, من خوفها.. ربما لن يستخدموا الكلمات مطلقا, سيكتفون بتبادل تلك النظرات..
إيمانها بأنه سيرحل يوما ما كان يفسد عليها جمال كل لحظة معه, تمنت من كل قلبها فى كل لحظة ان يخيب ظنها, وان يبقوا معا الى الابد, ولكن غصة ما فى نفسها كانت تؤكد رحيله..
لم تكن ابدا هى المقصودة بكل كتاباته, لم تكن تشغل تفكيره, لم يفكر بها يوما مثلما كانت تفكر هى..بدأ يختفى تدريجيا, او ربما هو حاضر, ولكنه ذلك الحضور الباهت الذى يشبه الغياب, عاد كالغريب, سلام من بعيد لبعيد, بين كل فترة والاخرى شهور, و عادة هى التى تبدأ بالسلام, كل محاولتها بأن تكف عن محادثته كانت تبوء بالفشل..هو اذكى من الا يلاحظ حبها له و تعلقها به..ولكنه لم يكترث..لم يبذل المجهود حتى ان يصارحها بأنه لن يستطيع..
تظاهرها بأنها بخير مؤلم, مؤلم جدا..مازالت تتوتر فى وجوده, تتمنى لو تعود بالزمن لتلك الفترة التى كانت تحدثه من وقت استيقاظها و حتى تنام, عندما كانوا يتحدثون فى كل الأمور, تلك المحادثات العميقة التى كانت تدور بينهم, لم تكن تتحدث مع احد غيره تقريبا, كانت تراه فى كل الوجوه, كانت تخاف ان يبتعد, ولكن خوفها أن تقترب كان اكبر..
رحل هو, وظلت هى وحيدة, حزينة, أيقنت انها كانت محقة, كلهم راحلون, إلا هو, لن يرحل ابدا من بالها, ستراه فى كل لوحة ترسمها, و كل سطر تكتبه, سيظل فى قلبها الى النهاية وما بعدها..لم تندم ابدا على معرفته, بل كانت ممتنة لوجوده, حتى و ان لم يكن معها, فهى ممتنة لوجوده فى العالم, رغم انه اختار غيرها, لم يكن ذنبه, فهى لم تفهم ابدا انه يستطيع العيش بدون شوكولاتة, ولكنه لن يستطيع العيش بدون الماء, وكانت هى الشوكولاتة.
